المحافظون ووتر مخاوف “تشرين”.. استفزاز حكومي أم حيلة “الدولة العميقة”؟

02/12/2022
2577

إيرث نيوز/ منذ تسنم محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة ونيله ثقة البرلمان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يسعى تحالف الإطار التنسيقي باتفاق أغلب الكتل السياسية إلى تغيير المنظومة الإدارية والسياسية بشكل واضح في جميع مفاصل الدولة العراقية، وهو ما يؤكده العديد من المراقبين.

ورغم كل التغييرات التي يعمل عليها السوداني، فإن ملف تغيير المحافظين يبدو أكثر الملفات حساسية بسبب الأوضاع الأمنية التي شهدتها أغلب المحافظات خلال احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019، ومخاوف أكثر من أن يتم تنصيب محافظين لهم صلة بالإطار التنسيقي وهذا ما قد يؤجج الموقف مع “تشرين” ويعيد مشهد الاحتجاج مرة أخرى.

مطالب تغيير المحافظين هذه تعود جذورها إلى بداية انطلاق الاحتجاجات عندما بدأت بحرق كل مقرات الأحزاب السياسية في عدد من المحافظات، وهذه المقرات تعود إلى أحزاب منضوية الآن ضمن الإطار التنسيقي، مع الأخذ بالاعتبار أن محاولة الحديث عن تسلمها بعض المناصب المحلية يثير الجدل في الشارع العراقي.

في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قال رئيس الوزراء الأسبق ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي في مقابلة متلفزة إن السوداني ينوي تغيير المحافظين، سيما بالمحافظات التي “تعثرت قضاياها” على حد قوله، في الناصرية وبابل وواسط.

يضيف المالكي خلال المقابلة، أن السوداني لديه نية أيضا بأن يتحصل على قرار من مجلس النواب بتغيير كل المحافظين وإعادة توزيعهم وفق الاستحقاقات الانتخابية، وأنه أعطى لنفسه مهلة من شهرين إلى 3 أشهر لهذا التغيير، بحسب المالكي.

ردود فعل

من جهته، يقول عمار خضير الكاتب والناشط في مظاهرات تشرين إن “المحاصصة فكرة مركزية وعُرفا قائما في النظام السياسي العراقي، ولا نستغرب مثل هذه التصريحات من رئيس الوزراء الأسبق لكون هذا التقليد جرت عليه العادة وهو تقاسم المناصب التنفيذية وفقا للوزن البرلماني”.

ويعتقد خضير أن هذا الموضوع كان قبل “تشرين” شبه طبيعي وعابرا، وذلك بسبب تسليم المجتمع بمقتضيات آليات النظام السياسي، معلقا “أما حاليا فقد تكون هناك ردة فعل في بعض المحافظات التي تشهد حراكًا جماهيريًّا مستمرًا مناهضًا لسياسات الدولة من ناحية الأداء للحكومة الجديدة”.

كما أن الحركات المطلبية المستمرة بهذه المحافظات، كما يوضح خضير، ستفرز اعتراضًا واضحًا على شكل رفض جماهيري وربما يرافقه عمل نيابي فيما يخص القوى الحديثة الصاعدة إلى البرلمان التي أفرزتها الساحة الاحتجاجية بعد حراك تشرين الجماهيري، بحسبه.

الدولة العميقة

ويشير مراقبون إلى أنه ومنذ تولي عادل عبد المهدي رئاسة الحكومة في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وإعلان استقالته في نوفمبر/تشرين الأول 2019، على إثر احتجاجات شعبية سقط فيها مئات القتلى والجرحى، ثم تكليف مصطفى الكاظمي في أبريل/نيسان 2019، كان الصدريون قد أطاحوا بمناصب كبيرة لصالحهم وإبعاد الأحزاب الأخرى من طريقهم، لا سيما الموالين للمالكي وبعض الأحزاب الأخرى التي انضوت في الإطار التنسيقي لاحقا.

هذا التغلغل مكّن التيار الصدري من كسب محافظين موالين ومؤيدين له في عدة محافظات مثل ذي قار والبصرة إضافة لميسان وبابل والنجف، وعلى الرغم من الاحتجاجات الساخنة التي استمرت حتى نهاية عام 2020 ورغم تغيير بعض المحافظين في عهد الكاظمي، فإن بعض المحافظين كانوا من المؤيدين للتيار الصدري أيضا، الأمر الذي قوّض من نفوذ بقية الأحزاب، بحسب ناشطين من مظاهرات تشرين.

جدير بالذكر، أنه ومنذ عام 2003 بعد تشكيل الدولة العراقية، تمكن حزب الدعوة والأحزاب الأخرى من مسك زمام السلطة حيث وزعت المناصب فيما بينها، إلا أن التيار الصدري كسر هذه القاعدة التي مضت عليها تلك الأحزاب في عام 2018 لتصبح هناك جبهة متمثلة بالكتلة الصدرية وأخرى منافسة يقودها ائتلاف المالكي بشكل علني.

ومما هو معروف في العراق أن التنافر والمناكفات والحرب الإعلامية بين الصدريين وائتلاف المالكي التي تشتعل بين فترة وأخرى، تعود أساسا إلى عملية صولة الفرسان العسكرية عام 2008 والتي أمر بها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وأقصى من خلالها الصدريين والجناح العسكري التابع للتيار (جيش المهدي) الذي جُمّد عمله لاحقا، حيث وبمرور الزمن، تحول الخلاف بين الطرفين إلى ثأر تاريخي وانعكس بشكل واضح على العلاقات السياسية داخل البيت الشيعي.

المواجهة

لا يخفى على المتابع للشأن السياسي العراقي أن السوداني ومنذ بداية ترشيحه لرئاسة الحكومة فضّل عدم المواجهة مع التيار الصدري الذي انسحب من مجلس النواب، وفق الكاتب والمتابع للشأن السياسي عمر عبد اللطيف، الذي يرى أن خير دليل على هذا إعادة إصدار أوامر لمحافظي النجف وذي قار في اليوم التالي لإصدار السوداني قرارًا بإلغاء كل أوامر الحكومة السابقة التي صدرت بعد تاريخ 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وهو التاريخ الذي تحولت فيه حكومة الكاظمي إلى تصريف أعمال، وهو ما يدل على أن السوداني يرى أن تعيينات حكومة الكاظمي خلال تسييرها للأعمال لم تكن قانونية، إلا أن السوداني فضل عدم المواجهة وأعاد تكليف المحافظين أنفسهم.

ويضيف عبد اللطيف أن المهام الأساسية لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني تتمثل باستبدال المحافظين وفق الأوزان السياسية التي حصلت عليها الكتل السياسية في الانتخابات الأخيرة وحسب الاتفاق الذي جرى مع تحالف قوى الدولة الذي ينتمي إليه.

ولفت إلى أن أغلب هؤلاء المحافظين لم يقدموا شيئا، إضافة إلى أن بعضهم لا يزال في منصبه منذ أكثر من 4 سنوات، كما أن بعضهم فضل البقاء محافظًا بعد فوزه بمقعد في مجلس النواب، مثل محافظ ميسان المنتمي للتيار الصدري والمستمر بمنصبه منذ 2013 والذي قد يشمله التغيير بشخصية من التيار نفسه، أو بشخصية من كتلة أخرى ومنح التيار منصب المحافظ في محافظة أخرى.

أما الكاتب في الشأن السياسي ظاهر صالح الخرسان فيعتقد أن ملف تغيير المحافظين مثَّل إحدى مشاكل الخلاف بين المالكي والسوداني، حيث تجاوزه السوداني بحسب المصادر باتفاق مع أطراف أخرى بالإطار التنسيقي لا ترغب باستفزاز أو فتح جبهة خصومة مع التيار الصدري.

وبتابع الخرسان أن “المالكي يتفرد برسم سياسة خاصة للإطار، اعتمادا على دولته العميقة ومقاعده المريحة في الإطار، لكن هناك قوى داخل الإطار تتحرك بحذر وتحاول إبعاد الخصومة مع التيار بل وتحافظ على مستوى معين من العلاقات السياسية لأنهم يدركون أن تحريك الشارع في بداية عمل حكومتهم سوف يتسبب لهم بخسارة كبيرة، فضلا عن الخوف من عودة تجربة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي وأن تكون الشرارة من قبل التيار الصدري”.

حراك تشرين

وعن ردة فعل حراك تشرين في حال تغيير المحافظين، يعتقد عبد اللطيف أن تغييرات السوداني المرتقبة لن تؤثر أو تولد أي حراك مع الناشطين المدنيين أو التشرينيين في عموم المحافظات، مستدلا بعودة العمل بمبدأ المحاصصة في توزيع الوزارات دون أي رد فعل بعدما كان هذا المبدأ واحدا من أسباب الاحتجاج على حكومة عبد المهدي.

وفي مدينة الناصرية (جنوب) قد يبدو الأمر مختلفا في حال تم تغيير المحافظ كما يقول الناشط والصحفي مصطفى عادل، ويرى أن “الأمر لا يتعلق بمن يأتي بقدر ما يتعلق بمن يقف خلفه. منذ احتجاجات تشرين 2019 وحتى اللحظة، كانت ذي قار قد شهدت تغيير 5 محافظين وأكثر من 6 قادة شرطة، فالحديث عن التغيير الآن قد يشعل الشارع مرة أخرى بسبب الأوضاع الراهنة وقد تستغل ملف التغيير جهات سياسية معارضة تدخل نفسها في حراك تشرين ويبدأ التصعيد حينها”.

ومنذ تسنم السوداني رئاسة الحكومة كان قد أعلن أنه سيجري تقييما لكبار المسؤولين بدءا من أصحاب الدرجات الخاصة بما فيها الوزراء، إضافة للمحافظين، وأن هذا التقييم يمتد من 2 إلى 6 أشهر، بعدها يبدأ بإجراء التغييرات من أجل الإسراع ببرنامجه الحكومي كما هو مرسوم له.

 

المصدر: الجزيرة