“سفلي وتعزيم”.. هل بات “السحر” أخطر ما يهدد المجتمع؟

17/03/2023
2656

إيرث نيوز/

لم تكن الشابة ذات الـ25 عاما، على دراية بأن زواجها سينتهي بـ”فضيحة”، في الوقت الذي كانت تحاول فيه أن تجعل زوجها يحبها أكثر.

وتروي نهى محمد (اسم مستعار) حكايتها لـ”إيرث نيوز”، بأنها تزوجت قبل عامين، وتعيش في منزل مستقل مع زوجها، الذي يملك ورشة لتصليح السيارات، لكنها تسعى بشكل مستمر لأن تجعل زوجها يحبها أكثر، خاصة مع سماعها قصص أقاربها المتزوجات، وكيف حولهن أزواجهن لـ”خواتم بأصابعهن” حسب الوصف الدارج، وذلك عبر السحر.

بحث بسيط في الفيسبوك، أدى أن تجد محمد “روحاني أو مشعوذ”، مليئة صفحته التي تحمل اسم “الصابئي” بالأعمال الروحانية وأغلب التعليقات إيجابية، وكان رده على رسالتها سريعا، فاستبشرت خيرا، وتوقعت أنها وجدت ضالتها.

رصد الداخلية
هذه الصفحات على مواقع التواصل، والمكاتب المنتشرة لاعمال السحر، ليست بعيدة عن رصد وزارة الداخلية، وإجراءاتها، إذ قال المتحدث باسم الوزارة اللواء خالد المحنا في حديث لوكالة ايرث نيوز، إن “انتشار ظاهرة السحرة والمشعوذين والاعمال الروحانية وغيرها في السوشيال ميديا أمر مشخص من قبل الوزارة”.

وأضاف المحنا أنه “كثيراً ما تأتي الينا إبلاغات وشكاوى من مواطنين يقعون ضحية بيد هؤلاء الذين يقومون بالادعاء بأنهم سحرة على مواقع التواصل الاجتماعي”، مبيناً أن “بعض هؤلاء يستخدم اسلوب الابتزاز الالكتروني من خلال الطلب من الشخص ارسال صور عارية لكتابة الطلاسم عليها ومن ثم يبدأ بالابتزاز”.

وتابع أن “هناك الكثير من الأشخاص ومن بينهم من حملة الشهادات العليا قدموا بلاغات الى الشرطة المجتمعية بتعرضهم للابتزاز من هذا الموضوع”.

وأشار المحنا إلى أن “وزارة الداخلية تدعو المواطنين للإبلاغ على هكذا حالات لتعقب هؤلاء”، مؤكداً أننا “تمكننا من القبض على العديد من الاشخاص الذين يدعون العمل بالسحر والشعوذة على مواقع التواصل الاجتماعي”.

وانتشرت في العراق ظاهرة “الأعمال الروحانية” أو “السحر والشعوذة”، بشكل كبير خلال العقد الأخير، نظرا لضعف الرقابة، وخاصة داخل المناطق الشعبية، في ظل التطور الكبير بوسائل التواصل الاجتماعي واعتماد أغلب المواطنين عليها في حياتهم اليومية، سواء عبر الشراء أو البيع أو إنجاز أعمالهم الأخرى عبرها، توجه أصحاب هذه “الأعمال الروحانية” لها وبدأوا بإنشاء صفحات وتمويلها، وبمسميات مختلفة، من بينها استغلال اسم رئيس طائفة الصابئة المندائيين الشيخ ستار جبار الحلو، أو “الساحر الصابئي” وغيرها من المسميات.

وتهدف هذه الأعمال، كما يزعم أصحابها الى “جلب الحبيب، أو تزويج العوانس، أو زيادة الرزق أو تسيير الأمور العامة” وغيرها من الأمور الحياتية الكثيرة.

 ماذا جرى مع نهى؟
بالعودة لنهى محمد، فأنه بعد تواصلها مع “الروحاني”، عبر رسائل الفيسبوك، وشرحها طلبلها له، وعدها خيرا، وقال أن طلبها من أبسط ما يكون بالنسبة له، لكن عليها أن توفر بعض الطلبات أولا إلى جانب مبلغ المال الذي أتفق معها عليه، والبالغ مليويني دينار.

استجابت محمد، ووفرت المبلغ عبر استدانته من إحدى قريباتها، وإلى جانب بعض أنواع البخور التي جلبتها من عطار، والأخير أبلغها أن تستخدم فعلا في هذه الأعمال الروحانية، ما زادها ثقة بعمل هذا “الروحاني”.

وبعد مرور فترة بسيطة، بدأ يغير “الروحاني” حديثه وأبلغها بأن العمل لزوجها صعب جدا، وأنه “زوجها”، لم يستجب للعمل الاعتيادي، وذلك بعد أن لمح لها بأن زوجها ينوي الزواج بأخرى، حسب ما أبلغه “الجن”، خلال جلسة “التعزيم”.

وهنا بدأ الحديث يتجه نحو “العمل السفلي”، وهو عمل قائم على الأمور “النجسة”، وأغلب الأحيان هو الجنس، وبعد محاولات وإقناع استجابت محمد، وسألت “الروحاني”، عما يريده، فأجابها بضرورة مجيئها لمكتبه في ساعة محددة.

ذهبت محمد، وكانت جميع السيناريوهات تدور في بالها، لكن الأهم بالنسبة لها هو امتلاك زوجها، وكانت مستعدة أن تفعل أي شيء للحفاظ عليه، وهو ما جرى فعلا، حيث طلب منها “الروحاني”، أن تتعرى ليكتب على جسدها الطلاسم بسائل شفاف يقترب من ماء الورد، لكن له رائحة غريبة.

كرر “الروحاني” الأمر أكثر من مرة، حتى طلب منها ممارسة الجنس، بذريعة العمل، وأنه من طلبات “الجن”، فاستجابت، وكل عذا جرى بمكتبه في منطقة وسط العاصمة بغداد.

يذكر أن مركز الإعلام الرقمي، انتقد العام الماضي، موافقة منصة فيسبوك على إعلانات لصفحات تروّج للسحر وتسوّق للشعوذة والأعمال المختلفة غير العقلانية المرتبطة بهما في العراق.

 ووفقا لبيان المركز فإنه رصد هذه الإعلانات على منصتي فيسبوك، وبدرجة أقل على انستغرام، مؤكدا أن فيسبوك يناقض قوانينه فيما يتعلق بهذا الموضوع، حيث تؤكد الشركة في معايير سياستها على منع نشر “عمليات الاحتيال التي تحدث على أرض الواقع أو التي تعتمد على الروحانيات أو النورانيات” بحسب نص الشركة الوارد في موقعها الرسمي المتعلق بمبادئ الشفافية وسياسات النشر.

رد حاد
رئيس طائفة الصابئة المندائيين في العراق والعالم الشيخ ستار جبار الحلو، قال في تصريح صحفي أطلعت عليه “إيرث نيوز”، إن “رئاسة الطائفة لم تدع مكانا إلا ولجأت اليه للتبليغ عن هذه الصفحات الوهمية التي تضع صورنا وتستغل اسم الديانة لتمرير أعمالهما الدنيئة، وقد قدمنا طلبا لوزير الداخلية، وبعد فترة تمت استضافتنا وقد اخبرونا بانه تم القبض على اثنين من هؤلاء واتضح انهما مسلمان وليسا من الصابئة”.

 ويصف الحالة بـ”تشويه لسمعة ديانة عريقة وابتزاز للناس واستغلالهم بالامور المادية وغيرها، إضافة الى باب الفساد والكذب والدجل”، مطالبا الحكومة بـ”أخذ إجراءات جدية لإنهاء هذه الظاهرة من خلال تعقبهم عبر ارقام هواتفهم ومعلوماتهم الشخصية، لكن ما نشاهده هو ازدياد هذه الصفحات بين فترة واخرى ونريد جدية من الحكومة في التعامل مع هؤلاء الدجالين”.

 الفضيحة
بعد مرور أشهر، بدأت محمد، تيأس من نتائج عمل “الروحاني”، وأخبرته أنها ستترك العمل معه وتجد غيره، بعد أن وصفته بـ”النصاب”، لكن رده كان سريعا، كما في أول رسالة، حيث أرسل لها مباشرة مقاطع فيديو وصور لعلاقتهما الجنسية، وعندما كانت عارية ويكتب على جسدها.

صعقت محمد، دخلت بأزمة نفسية، لم تعرف ملذا تفعل أو بما تجيب، أخذت أياما وهي مكتئبة، انتهت الحلول بالنسبة لها، فلا أهل ولا زوج يمكن إخبارهم بما تعرضت له، عليها أن تواجه الأمر بمفردها.

ذهبت محمد لمكتب “الروحاني”، في محاولة للتوصل إلى حل، لكنه استغلها مجددا، وعادت وهي كارهة لنفسها وما أقدمت عليه، لكنها قررت أن تواجه، فدخلت بصراع مع “الروحاني” وهددته وأبلغته بأنها لا تخشى شيئا، ورغم أن هذه الكلمات غير حقيقية، إلا أنها كانت محاولة، لكن فشلت.

بعد أيام قليلة، دخل زوجها المنزل قبل موعد عودته الطبيعي، وكان بحالة عصبية غير اعتيادية، سحبها من شعرها مباشرة ووضعها في سيارته وأوصلها لمنزل أهلها، وأبلغهم أنه لا يريد أن يوسخ يديه بقتلها، ورمى معها قرص سي دي.

كتبت محمد نهاية مأساوية، لحياة كانت طبيعية واعتيادية، لكنها طمحت لأن تضمنها، فأنقلب السحر عليها.

القضاء والاجتماع
قاضي محكمة تحقيق مدينة الصدر، حارث عبد الجليل، أكد سابقا، بأن ظاهرة السحر، تنمو في الأحياء الراقية والأحياء الشعبية على حد سواء مع الفارق من حيث انتشارها، فهي تنتشر في الأحياء الشعبية أكثر منها في الأحياء الراقية، محملا وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولية انتشار ظاهرة السحر والشعوذة، ما سهل على الدجالين عرض خدماتهم عن طريق صفحات وحسابات افتراضية وهمية.

كما يرى الباحث الاجتماعي محمد المولى، أن “انتشار مكاتب الأعمال الروحانية، فهو بالحقيقة موضوع اجتماعي ونفسي وديني، فلو كانت هناك معرفة بهذه الأمور لما التجأ الناس اليها، لكن هناك جهلا إضافة الى وجود ممارسات مجتمعية تشجع هذا العمل، ومنها عدم وجود الرقابة وسهولة الوصول الى مثل هؤلاء الأشخاص الذين يمتهنون هذه الامور”.

 ويشير الى أنه “لو أردنا علاج هذه الحالات فرديا، فقد يكون بالجزء الاول مجتمعيا وفي الجزء الآخر نظام دولة، حيث لا يسمح أي نظام عالمي بالترويج لمثل هذه الامور، وبهذه الكيفية والطريقة المفتوحة، وبإمكان الصغير والكبير الوصول اليها والتعامل مع هذه الأرقام المعلنة واستغلال الجهل المقنع لتحقيق اهداف وغايات معينة”.

 ويؤكد أن “دول العالم بأجمعها لا تسمح بأن تكون مواقع التواصل الاجتماعي مفتوحة كما هو الحال في العراق الذي يشهد غياب الجهاز الرقابي الذي ينبه وينذر بمخاطر ومساوئ هذه الأفعال، وبالتالي هذا الغياب أدى وسمح لانتشار مثل هكذا أفعال والترويج العلني لها، كما لا توجد اي عقوبة مقابل ذلك”.