زلزال “سفري”

20/03/2023
1006

حمزة مصطفى
على مدى عقود طويلة أسمع بالمقولة ذائعة الصيت “الهزيمة ثلثين المراجل” حتى طبقتها بحذافيرها الأسبوع الماضي. حين أقول طبقتها الآن فليس لأنني خضت معارك كان لي نصيب كبير من النصر فيها كأي نابليون أو مونتغمري أو سعد الشاذلي أو رومل على الرغم من هزيمة الأخير في معركة العلمين, لكن لم يحصل أن شعرت بتحقق هذه المقولة الإ ليلة الخميس الماضي في مدينة السليمانية وفي الطابق الثلاثين من فندق “غراند”. كنت لبيت دعوة كريمة من فخامة الرئيس السابق الدكتور برهم صالح للمشاركة في ملتقى السليمانية بنسخته السابعة الذي تقيمه الجامعة الأميركية هناك. إخترنا أنا وإبني مصطفى والصديق الدكتور إحسان الشمري على أن يلتحق بنا لاحقا الدكتور جعفر الونان أن نتناول عشاءنا في أحد مطاعم المدينة التي كانت تشهد ليلتها أمطارا غزيرة إستمرت على مدى يومين. وبما إننا كنا في فندق غراند ولأن المطر غزير في الخارج إقترح مصطفى أن نتناول عشاءنا في مطعم الفندق الواقع في الطابق الثلاثين.
وجدنا الفكرة مناسبة. جاء النادل بـ “المنيو” لكي نختار مانشاء من أطايب الطعام على وقع موسيقى كانت صاخبة بعض الشئ. جاء الطعام الذي سبقته شوربة فطر لذيذة. وفي هذه الأثناء التحق بنا الونان. ما أن إنتينها من شوربة الفطر وبدأنا نتناول العشاء حسب طلبياتنا التي تنوعت بين مشوى مشكل الذي لم أعرف سواه من “المنيو” بينما طلب مصطفى معكرونة بـ “المدري شنو” إما دكتور إحسان أكتفى بخلطة عجيبة من أنواع “الزلاطة”. لم أكمل الشيش الأول من الكباب حتى بدأ الطابق الثلاثين يهتز مثل السعفة فيما توقفت الموسيقى تماما. تركنا ماتبقى من الطعام وهرعت مسرعا لكي أدفع الحساب , ثم تزاحمنا على المصعد الذي بقي وهو يهبط بنا رويدا رويدا يتهز إرتداديا حتى خرجنا من باحة الفندق الضخم الى الشارع لنواجه المطر. كان منظر العرسان الذين تركوا كل شيء في غرف نومهم وهرعوا الى الشارع الممطر مثلنا لا يسر صديقا في تلك اللحظات. تذكرت السفري الذي طلبته فقلت لمصطفى “أين السفري بابا؟”. نظر اللي مصطفى مستغربا قائلا “ياسفري بابا”. لذت بالصمت بينما كان رجلان يقفان قربي يحتميان بمظلة مشتركة سمعت أحدهما يقول لصاحبه وهو يحاوره بصوت مسموع” يدور سفري الكاكا”. تذكرت نور صبري وماتعرض له من تنمر بعد نشر صورته مع إبنته. لذت بالصمت ثانية بينما بقي طبق السفري في فندق غراند وبالذات في الطابق الثلاثين شبيها بالرسالة التي كان سلمها جيمس بيكر وزير خارجية الولايات المتحدة عام 1991 الى طارق عزيز قبل أيام قلائل من حرب الخليج الثانية. الرسالة التي لم يعرف محتواها حتى الآن كانت موجهة من بوش الأب الى صدام حسين, لكن عزيز رفض تسلمها فبقيت على الطاولة مثل سفريي وخرج الإثنان ليواجها الصحفيين بلا رسالة مثلي تماما حيث واجهت المطر بلا .. طبق السفري.

التصنيفات : مقالات