بعد أكثر من عام.. هل طبق التوجيه الحكومي للحد من ظاهرة التسول؟
ايرث نيوز/
مر أكثر من عام على إطلاق الحكومة حزمة توجيهات للحد من ظاهرة التسول ومعالجتها، لكن الظاهرة آخذة بالإزدياد يوما بعد آخر وباتت تشكل تهديدا حقيقيا لشرائح مختلفة ولا سيما الأطفال، وفيما وصف مختصون القرارات الحكومية بانها “إعلامية” فقط وطالبوا بإتخاذ إجراءات حقيقية على أرض الواقع، يتجه مجلس النواب الى البحث عن آليات تشريعية للحد من هذه الظاهرة، وفي خضم هذا الجدل يبقى الخطر يلاحق الأطفال المتسولين الذين يقتربون بشكل كبير من الوقوع في شرائك الجرائم والعصابات.
وتقول عضو لجنة الاسرة والطفولة النيابية ابتسام الهلالي لوكالة “ايرث نيوز”، إن “ظاهرة التسول شهدت ارتفاعا كبيرا، وهذا بسبب الأوضاع الاقتصادية واهمال الحكومة العراقية لهذا الملف المهم والخطير جداً على مستقبل الأجيال”.
واضافت أنه، “مع بداية الفصل التشريعي الجديد للبرلمان، سوف تجري لجنة الاسرة والطفولة النيابية حراكا على كافة الجهات الحكومية المختصة بمجال مكافحة ظاهرة التسول، وسوف يكون للجنة قرارات وتوصيات يتم تشريعها تدعم مكافحة هذه الظاهرة، التي بدأت تنتشر بشكل كبير ومخيف”.
وشددت على انه “من الضروري جداً وجود قوانين حازمة وصارمة ضد كل من يتخذ من التسول مهنة له، فهناك الكثير من الذين اتخذوا هذا الامر كـ(باب رزق) لهم، ولهذا القوانين التي تعاقب هذا الفعل يجب تفعيلها مع مراعاة الذين يعانون من الفقر من خلال توفير فرصا للعيش عبر وزارة العمل والشؤون الاجتماعية”.
وتعج طرقات وتقاطعات العاصمة بغداد بمئات المتسولين، بينهم اطفال ونساء ورجال كبار في السن، واعدادهم ترتفع بصورة مستمرة، وخاصة الاطفال والفتيات باعمار المراهقة، من دون أن يكون هناك أي رد فعل حكومي تجاه تنامي هذه الظاهرة.
وكان رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي قال 23 في اذار 2021، “شخّصنا عصابات تستغل قضايا إنسانية أبشع استغلال من خلال التسوّل ووجهنا وزارة الداخلية متابعة الموضوع ومعالجتها وملاحقة هذه العصابات وتقديمها أمام القانون”، وفي ذات اليوم أصدر مجلس الوزراء توصية لوزارتي الداخلية والعمل والشؤون الاجتماعية لمعالجة الظاهرة.
وزارة العمل من جانبها، اعلنت عقب التوصية مباشرة، عن استعدادها لتنفيذ مقررات مجلس الوزراء بخصوص الحد من ظاهرة التسول بالتعاون مع الداخلية، فيما اعلنت الداخلية من جانبها ان الكاظمي أكد على تكثيف الجهود لمحاربة عصابات التسول.
الى ذلك، بين النائب المستقل باسم خشان لوكالة “ايرث نيوز”، أن “الحكومة برئاسة مصطفى الكاظمي لم تتخذ أي خطوة حقيقية لمكافحة ظاهرة التسول، التي انشترت بشكل كبير بكافة المحافظات، فالإجراءات الحكومية بهذا الملف هي إعلامية فقط، كحال الإجراءات الأخرى التي تعلن بين حين واخر من قبل الحكومة”.
وتابع أن “أي شيء ملموس على أرض الواقع لا يوجد بخصوص مكافحة ظاهرة التسول رغم وجود حزمة قرارات صدرت منذ فترة طويلة بهذا الملف، لكن على الأرض لم يطبق منها شيء”، محذرا “ظاهرة التسول خطيرة وهي تزداد يوما بعد يوم، خصوصاً مع عدم وجود رادع حقيقي من خلال تنفيذ القوانين بشكل صحيح، فالقانون يعاقب من يمارس هذه الظاهرة لكن لم يطبق”.
وقد حاولت وكالة “ايرث نيوز” التواصل مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لمعرفة آخر التطورات في سعيها للحد من هذه الظاهرة ودورها في الأمر، لكن لم تحصل على رد منها.
من جانبه، أكد الباحث الاجتماعي سيف المعموري لوكالة “ايرث نيوز”، أن “ظاهرة التسول بدأت تنشتر بشكل كبير في غالبية المدن العراقية، واغلب هؤلاء المتسولين هم من الأطفال، واكثر هؤلاء الأطفال هم من المشردين بسبب خلافات عائلية او أوضاع اقتصادية وغيرها”.
وبين المعموري أن “هناك جهات هي من تجبر بعض الأطفال على ممارسة التسول في الشوارع، والحديث عن وجود عصابات مختصة بهذه الاعمال ليس شيء من الخيال بل هو أمر حقيقي، وهذا الامر يتطلب متابعة دقيقة من قبل الجهات الأمنية المختصة”.
واشار إلى أن “ظاهرة التسول تتزايد يوما بعد يوم، في كافة الشوارع في العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى، وهذا الأمر يجري مع الأسف دون وجود أي اهتمام حكومي حقيقي تجاه هذا الملف المهم، خصوصاً ان بعض المستولين يتحولون الى اشخاص قد يرتكبون أي شيء غير قانوني في قادم الأيام، ولهذا الجهات الحكومية المختصة، مطالبة بانقاذ هؤلاء الأطفال من الواقع الذي يعيشونه حالياً من خلال ممارسة التسول”.
وكان المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا، كشف سابقا، عن وجود ثلاثة أنواع من المتسولين: النوع الأول هم المتسولون المحتاجون، وهم الأشخاص الذين يكونون تحت خط الفقر، ويقومون بالتسول لتوفير أدنى مستوى من احتياجاتهم الفعلية، أما النوع الثاني فهم الأشخاص من الجنسيات غير العراقية ومن بينهم الهنود والسوريون، والنوع الثالث وهو متعلق بعصابات الجريمة المنظمة، التي تستغل المتسولين.
بالمقابل، قال الخبير القانوني علي التميمي لوكالة “ايرث نيوز”، ان “قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل حيث نصت المادة 390/1 بان (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن شهر كل شخص أتم الثامنة عشرة من عمره وكان له مورد مشروع يتعيش منه او كان يستطيع بعمله الحصول على هذا المورد، وجد متسولا في الطريق العام او في المحلات العامة أو دخل بدون إذن منزلاً أو محلاً ملحقاً لغرض التسول، تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، اذا تصنّع المتسول الإصابة بجرح أو عاهة أو ألحَّ في الاستجداء)”.
وبين التميمي ان “المتسول الذي لم يتم الثامنة عشرة من عمره فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 390 (اذا كان مرتكب هذه الأفعال لم يتم الثامنة عشرة من عمره تطبق بشأنه احكام مسؤولية الأحداث في حالة ارتكاب مخالفة ويجوز للمحكمة بدلا من الحكم على المتسول بالعقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة أن تأمر بإيداعه مدة لا تزيد على سنة داراً للتشغيل إن كان قادراً على العمل أو بإيداعه ملجأً أو داراً للعجزة أو مؤسسة خيرية معترف بها اذا كان عاجزاً عن العمل، وإن المشرِّع العراقي قد تعامل مع هذه الجريمة بصورة إنسانية وكان الهدف من العقوبة هو وقائي وإصلاحي”.
وشدد الخبير القانوني على انه “من الضروري تفعيل تطبيق قانون رعاية الإحداث رقم 76 لسنة 1983 بحق الاحداث المشردين وتفعيل الدور الخاصة برعاية المسنين وأن تكون الإجراءات القانونية رادعة بحق هذه الظاهرة السلبية”.
يشار إلى أن مصدرا امنيا، كشف في وقت سابق، عن امتلاك الحكومة معلومات حساسة وخطيرة بشان ما يجري في العراق من عمليات خاصة بالتسول والمتسولين والتجارة بهذا الامر، حيث أن بعض العوائل في شارع البتاوين وسط بغداد، التي تشتهر بتجارة الممنوعات، تقوم بتاجير ابنائها بمبالغ من 15 الى 25 الف دينار (نحو 17 دولار) باليوم الواحد لجهات مسؤولة عن المتسولين، حيث يقوم هؤلاء بتوزيع هؤلاء الاطفال على التقاطعات في العاصمة، وايضا هي من تقوم بجمعهم بعد انتهاء دوامهم الذي عادة ما ينتهي في ساعات المساء.